Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

تنبيه واستدراك
على مقال «تبيين الحقائق للسالك
لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك»

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيجدر التنبيه إلى مسائلَ فاتَني بيانُها في مقالي الموسوم ﺑ: «تبيين الحقائق للسالك لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك»، وسأُحاوِلُ توضيحَها واستدراكها على الوجه التالي:

المسألة الأولى: عباراتٌ مُوهِمةٌ قد يُفهَم منها أنَّ نصوص الوحي في الصفات هي مِنَ المتشابه، جريًا على مذهب المتكلِّمين مِنَ الأشاعرة والمفوِّضة، وقد نبَّهني إلى هذا الاحتمالِ بعضُ الأفاضل مِنْ طلبتي القُدامى ـ بأدبٍ رفيعٍ في العبارة ـ آملًا منِّي أَنْ أغيِّرها على وجهٍ يتوافق مع مذهبِ أهل السنَّة؛ دفعًا للشبهة وتوضيحًا للعبارة، وقد أجبتُه إلى ذلك، شاكرًا له سعيَه ونُصحَه وتعاوُنَه.

والعبارة المُوهِمة ورَدَتْ بيانًا لحال أهل المغرب الإسلاميِّ، وهي كالتالي:

«هكذا كان أهلُ المغرب الإسلاميِّ على الهُدى ودِينِ الحقِّ، متمسِّكين بمذهب السَّلف وبمعزلٍ عن اتِّباع الأشاعرة في تأويل المتشابه اقتداءً بالسَّلف في ترك التَّأويل وإقرار المتشابهات، إلى أَنْ ظهر المهديُّ ابنُ تومرت المتشيِّعُ الذي لَقِي ـ خلالَ رحلته بالمشرق ـ أئمَّةَ الأشعريَّة، وأخذ عنهم واستحسن طريقَهم، وذَهَب إلى رأيهم في تأويل المتشابه مِنَ الآي والأحاديث».

وقد استبدلتُها بعبارةٍ أخرى أكثرَ تلاؤمًا مع المُعتقَد السليم، فجاءَتِ الفقرةُ على الوجه التالي:

«هكذا كان أهلُ المغرب الإسلاميِّ على الهُدى ودِينِ الحقِّ، متمسِّكين بمذهب السَّلف، وبمعزلٍ عن اتِّباع الأشاعرة في تأويلِ آياتِ الصفات وأحاديثِها، اقتداءً بالسَّلف في وجوب الإيمان بمعانيها لأنها مُحكَمةٌ، وردِّ علمِ كيفيَّاتها إلى الله دون تأويلٍ، إلى أَنْ ظهر المهديُّ ابنُ تومرت المتشيِّعُ الذي لَقِي ـ خلالَ رحلته بالمشرق ـ أئمَّةَ الأشعريَّة، وأخذ عنهم واستحسن طريقَهم، وذَهَب إلى رأيهم في اتِّباع المتشابه والاستدلالِ به على مقالاتهم الباطلة تحريفًا لنصوص الوحي وسعيًا للفتنة».

المسألة الثانية: وهي المتعلِّقة بمقطعٍ مِنْ كلامٍ معزوٍّ إلى الشيخ عبد الحميد بنِ باديس ـ رحمه الله ـ في «مجلَّة الشهاب»، والذي أضفتُه إلى مقالي بواسطةٍ، وتظهر عبارتُه على الشكل التالي:

«ولْيَعْلموا أنَّ السَّلفيَّة هي المرجعيَّةُ الدِّينيَّة للجزائريِّين، وهي الدَّعوة الأصليَّة في هذه الدِّيار، لا كما يحاوله مَنْ يطمس الحقائقَ، ويعمى ويَصِمُّ عن الدَّلائل ويولِّيها ظهرَه، فيزعم بأنَّها وافدٌ دخيلٌ وجسمٌ غريبٌ في الأُمَّة الجزائريَّة، وخطرٌ داهَمَ دِيارَنا وغزوٌ حلَّ مَحلَّ أصالتِنا!... لا واللهِ! إذا كان هؤلاء يُردِّدون ـ في كُلِّ مناسبةٍ وبلا مناسبةٍ ـ أنَّهم لا يُريدون إلَّا مذهبَ الإمام مالكٍ والطَّريقةَ المالكيَّة؛ فإنَّنا نقول لهم: هاتوا لنا مذهبَ الإمام مالكٍ؛ فلا نجده إلَّا إمامًا في السَّلفيَّة الحقَّة، ومتبوعًا مِنْ كبار المتبوعين في هذه الطَّريقة الشَّريفة، ولْنعرِضْ ـ بعدُ ـ مَنْ كان صادِقَ الاتِّباع صحيحَ النِّسبة إلى هذا الإمامِ ممَّنْ يتموَّهُ بالنِّسبة إليه، ومَنْ يغطِّي انحرافَه عن السُّنَّة بالانتماء إلى إمام السُّنَّة».

هذا، وبعد البحث في «مجلَّة الشهاب» في عددها: (٩٨)، لم يتسنَّ لي الوقوفُ على هذا المقطع، فرأيتُ مِنَ المفيد أَنْ أحذفه اكتفاءً بكلام الشيخ عبد الحميد بنِ باديس السابق الوارد في «الآثار» (٣/ ٦١)، والذي يؤدِّي الغرضَ نَفْسَه وزيادة.

المسألة الثالثة: تتمثَّل فيما طلبه منِّي بعضُهم مِنْ وضع المزيد مِنَ الأمثال والحِكَم والأبيات الشِّعريَّة المُناسِبة لمَقام المحاور المذكورة في المقال، والمُلائمةِ للاستشهاد؛ والحقيقةُ أنِّي ـ مع الأسف ـ لم أُجِبْهم إلى طلبهم لأنَّ فيما أوردتُه منها غُنْيةً وكفايةً، والعبرةُ بأحقيَّة المقال مِنْ جهةِ موافقته للحقِّ والصواب في محتواه ومضمونه، بما يحقِّق الغرضَ للمدعوِّين مِنْ جهة البلاغ والإرشاد.

والتوفيقُ بيد الله السميع العليم.

هذا، وأنا مُستعِدٌّ أَنْ أتدارك ـ بالتصويب والتوضيح والإحالة ـ كُلَّ ما يفوتني مِنَ النقائص أو يكون مِنَ الأخطاء، شاكرًا للمُتعاوِن الناصح الصادق على تنبيهه على الخطإ وإرشاده إلى الصواب، بعيدًا عن التهويل والتضخيم وإرادة التطاول أو التقزيم؛ واللهُ مِنْ وراء القصد، وهو يهدي السبيلَ.

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٣ شعبان ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٩ أبريل ٢٠١٨م