في حكم الاختزال الجنيني | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٢٨٦

الصنف: فتاوى طبِّيَّة

في حكم الاختزال الجنيني

السؤال:

امرأةٌ متزوِّجةٌ منذ تسعةِ أَشهُرٍ، ومؤخَّرًا رَزَقها اللهُ بحملٍ؛ في بادئ الأمر كانوا ثلاثةَ أَجِنَّةٍ، وفي المَوعدِ المُوالي بعد كشفِ الطَّبيبةِ تَبيَّن أنَّهم كُلَّهم أصبحوا توائمَ مع ظهورِ كِيسِ حملٍ آخَرَ، أي: أَصبحَ العددُ الكُلِّيُّ سبعةَ أَجِنَّةٍ؛ وأَخبرَتْها الطَّبيبةُ أنَّه مِنَ المُستحِيلِ أَنْ يَتِمَّ الحملُ بصفةٍ طبيعيَّةٍ لأنَّه خطرٌ على صحَّةِ الأمِّ وخطرٌ على الأَجِنَّةِ ـ أيضًا ـ في حالةِ بقائهم جميعًا، بحيث يُؤدِّي إلى الولادة المبكِّرة وذلك بعد سِتَّةِ أَشهُرٍ، أمَّا إذَا بقيَ في الرَّحِمِ ثلاثةٌ أو أربعةُ أَجِنَّةٍ فقط فيمكنُ للحمل أَنْ يَستمِرَّ إلى غايةِ الشهر السَّابِع وتكونُ الولادةُ حينَئذٍ بعمليَّةٍ قيصريَّةٍ؛ وعليه فإذا بقيَ أكثرُ مِنْ أربعةٍ فلا بُدَّ مِنْ إجراء عمليَّة الاختزالِ الجنِينِيِّ لتقليصِ عدد الأَجِنَّةِ إلى اثنينِ أو ثلاثةٍ؛ وهي الآنَ في حيرةٍ مِنْ أمرِها وتريدُ معرفةَ حكمِ الاختزال الجنينيِّ: أَحَلالٌ هو أَمْ حرامٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا كان السُّؤالُ مُرتبِطًا بالتَّلقِيحِ الاصطِناعيِّ للبُوَيْضاتِ ـ في صورتِه الجائزةِ(١) ـ فينبغِي أَنْ يكونَ محدودًا بعددٍ مطلوبٍ، تجنُّبًا لفائضِ البُوَيْضاتِ المُلقَّحةِ، ولا شكَّ أنَّه إذَا اقتصرَ على المَطلوب فإنَّه تنتفِي ـ حينَها ـ الحاجةُ إلى التَّخلُّصِ منها.

هذا، وإِنْ حدَثَ الفائضُ منها لسبَبٍ أو لآخَرَ، فإمَّا أَنْ تكونَ البُوَيْضاتُ المُلقَّحةُ خارِجَ الرَّحِمِ فحُكمُها على ما يُفتي به المَجمعُ الفقهيُّ التَّابعُ لِمُنظَّمةِ المُؤتمَرِ الإسلاميِّ: أَنْ تُترَكَ البُوَيْضاتُ المُلقَّحةُ الفائضةُ دونَ عنايةٍ طِبِّيَّةٍ إلى أَنْ تنتهيَ حياةُ ذلك الفائضِ على الوجهِ الطَّبيعيِّ(٢).

وبناءً عليه فإنَّه ينبغِي التَّأكيدُ على وجوبِ إعادةِ البُوَيْضات المُلقَّحة بماءِ الزَّوجِ غيرِ الفائضةِ إلى رَحِم الأُمِّ والتَّخلُّص مِنَ الفائضِ؛ علمًا أنَّه يُمنَعُ ـ شرعًا ـ الاحتفاظُ بالبُوَيْضاتِ ـ سواءٌ كانت مُلقَّحةً أم لم تكن ـ ولا بقايا الأَجِنَّة في بُنوكِ المَخابِرِ ولا غيرِها، بل يجب دفنُها، لئَلَّا تُستخدَمَ ـ هي أو نُسَخُ مورِّثاتِها (جِيناتها) ـ مع الوقتِ في رحِمِ امرأةٍ أخرى ـ سواءٌ أكان بطريقِ الخطإِ أو العمدِ ـ ممَّا يُؤدِّي إلى مسألةِ اختلاطِ الأنسابِ المُحرَّمِ، وهي الحكمةُ مِنْ تَحريمِ فاحشةِ الزِّنَا.

وأمَّا إِنْ كانت البُوَيْضاتُ المُلقَّحةُ الفائضةُ داخِلَ الرَّحمِ ـ سواءٌ بالتَّلقيحِ الاصطناعيِّ أو الطَّبيعيِّ ـ فإنَّ إسقاطَ الجنينِ دون عذرٍ بعد نفخِ الرُّوحِ فيه ـ أي: بمرورِ مِائةٍ وعشرين يومًا ـ فإنَّه يَحرُمُ ذلك بالإجماعِ(٣)، اللهم إلَّا في حالةِ إنقاذِ الأُمِّ مِنَ المَوتِ المُحقَّقِ ـ كما هو مبيَّنٌ في فتاوى سابقةٍ(٤) ـ.

وأمَّا إسقاطُهُ في المَراحلِ الأُولى قبلَ نفخِ الرُّوحِ فيهِ فهو محلُّ خلافٍ بَيْن العلماءِ، وإِنْ كان القولُ المُعوَّلُ عليهِ ـ عندي ـ هو أنَّه إذَا استقرَّتِ النُّطفةُ في الرَّحِمِ فلا يجوزُ إسقاطُها إلَّا في حالةِ وجود خطرٍ على حياةِ الأُمِّ.

ولا يخفَى أنَّ الأمَّ الحاملَ ـ في هذهِ الصُّورةِ ـ معرَّضَةٌ إلى احتمالِ أخطارِ الولادةِ، وتقديرُ درجةِ الخطورةِ المُؤدِّيةِ إلى التَّهلكةِ يرجعُ إلى أهلِ الاختصاصِ في الطِّبِّ النِّسائيِّ، لذلكَ يجوزُ ـ والحالُ هذه حسَبَ تقديرِهم لحالةِ المَرأةِ وصِحَّتِها ـ إسقاطُ النُّطفةِ قبلَ نفخِ الرُّوحِ فيهَا لدفعِ الخطرِ المُتوقَّع عن الأُمِّ إذَا ما حَمَلَتْ أكثرَ مِنْ أربعةٍ، أخذًا بأخفِّ الضَّررين وأهونِ المَفسدَتينِ، وسعيًا لتحقيقِ سلامةِ إكمالِ حملِها وعدمِ تأخُّرِ نُمُوِّ الأَجِنَّةِ الأخرى.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٨ شعبان ١٤٤٣هـ
المُوافق ﻟ: ٣١ مارس ٢٠٢٢م



(١) انظر الفتوى رقم: (١٣٦) الموسومة ﺑ : «في حكم التلقيح الاصطناعيِّ»، في الموقع الرَّسميِّ على الأنترنت.

(٢) «مجمع الفقه الإسلامي» المُنعقد في دورة مؤتمره السَّادس بجُدَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة مِنْ ١٧ ـ ٢٣ شعبان ١٤١٠هـ الموافق ١٤ ـ ٢٠ آذار (مارس) ١٩٩٠م. فقَدْ قرَّر ما يأتي:

١ ـ في ضوء ما تَحقَّق عِلميًّا مِنْ إمكانِ حِفظ البُيَيْضات غيرَ ملقَّحةٍ للسَّحب منها، يجب عند تلقيح البُيَيْضات الاقتصارُ على العدد المطلوب للزرع في كُلِّ مرَّةٍ، تفاديًا لوجود فائضٍ مِنَ البُيَيْضات الملقَّحة.

٢ ـ إذا حصَلَ فائضٌ مِنَ البُيَيْضات الملقَّحة بأيِّ وجهٍ مِنَ الوجوه تُترَكُ دون عنايةٍ طِبِّيَّةٍ إلى أَنْ تنتهيَ حياةُ ذلك الفائضِ على الوجه الطبيعيِّ.

٣ ـ يَحْرُم استخدامُ البُيَيْضة الملقَّحة في امرأةٍ أُخرى، ويجب اتِّخاذُ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البُيَيْضة الملقَّحة في حملٍ غيرِ مشروعٍ [قرار رقم: (٦/  ٧/ ‏٥٨)].

(٣) انظر: «الشرح الكبير» للدردير (٢/ ٢٦٧)، «القوانين الفقهيَّة» لابن جُزَيٍّ (١٤١).

(٤) انظر الفتاوى:

ـ رقم: (١٣٨) الموسومة ﺑ: «في حكم إسقاط الجنين».

ـ ورقم: (٤١٤) الموسومة ﺑ: «في حكم إجهاضِ حيٍّ بسبب الإعاقة والتشويه».

ـ ورقم: (٥٣١) الموسومة ﺑ: «في حكم التعدِّي بالإجهاض على الجنين».

ـ ورقم: (١٠٢٥) الموسومة ﺑ: «في حكم إسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه».

وذلك على موقعي الرسميِّ.