في اعتيادِ دخولِ شرطِ الزوجة في مهرها | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٤٣٨

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ إنشاء عقد الزواج

في اعتيادِ دخولِ شرطِ الزوجة في مهرها

السؤال:

اعتاد أولياءُ البنت ـ عند تحديد المهر ـ أَنْ يطلبوا مِنَ الزوج إحضارَ الألبسة والذهب، ودَفْعَ تكاليفِ وليمة العرس الذي يُقامُ في بيت الزوجة، فهل يُعَدُّ هذا مِنَ المهر؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيُوجَدُ فَرْقٌ بين المهر الذي يجب في عَقْدِ الزواج على الزوج ويُسمَّى صَدَاقًا للإشعار بصدقِ رغبةِ باذِلِه في النكاح، وبين جهازِ الزوجة وهو كُلُّ ما تحتاجه لنَفْسِها في بيت الزوجيَّة مِنْ مَلابسَ وفراشٍ وغطاءٍ وأثاثِ البيت ومتاعِه ولوازمه، والزوجُ هو المكلَّف بتجهيزِ بيته، ولا يُلْزِم المرأةَ ببذلِ شيءٍ مِنْ مالها الخاصِّ، بما في ذلك المهرُ الذي أخَذَتْه لأنَّه حقٌّ خالصٌ لها، وإنما تستحقُّه بحُكْمِ الشرع بمُوجَبِ عَقْدِ الزواج لقوله تعالى: ﴿وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓ‍ٔٗا مَّرِيٓ‍ٔٗا ٤[النساء]، فافترض اللهُ سبحانه على الرجال أَنْ يُعْطوا النساءَ مهورَهنَّ عطيَّةً، ولم يُبِحْ للرجال منها شيئًا إلَّا بطِيبِ أَنْفُسِ النساء؛ فلذلك لا تُجْبَرُ المرأةُ ولا يَلْزَم عليها تجهيزُ نَفْسِها مِنْ مَهْرها ولا مِنْ غيره ممَّا تملكه مِنَ الأموال، لكِنْ لا تُمنَع إِنْ أرادَتِ المشاركةَ بمالها أو بمهرها على وجهِ اختيارٍ محضٍ بلا إلزامٍ، وتبقى الأشياءُ التي أَسْهَمَتْ بها مملوكةً لها ينتفع بها الزوجُ بإذنها ورِضاها صراحةً أو دلالةً.

ومِنِ الْتزاماتِ الزوج ـ أيضًا ـ الوليمةُ التي تجب في حقِّه عَقِبَ الدخول بزوجته ـ إِنْ قَدَرَ على ذلك ـ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم دَعَا القومَ بعد الدخول بزينبَ رضي الله عنها، وإلَّا جاز عند الدخول أو عَقِبَ العقد أو عنده؛ فإنَّ هذا الأمر يُتوسَّع فيه عادةً، لكن يبقى الزوجُ مطالَبًا به لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لعبد الرحمن بنِ عوفٍ رضي الله عنه: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»(١)، وفي حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه أنه قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لمَّا دَخَلَ عليٌّ بفاطمة رضي الله عنهما: «إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ ـ وفي روايةٍ: لِلْعَرُوسِ(٢) ـ مِنْ وَلِيمَةٍ»(٣).

هذا، ولا تجب على المرأةِ وليمةُ العرس، ويجوز لأولياءِ المرأة أَنْ يشترطوه في العقد كشرطٍ يعود عليهم بالمنفعة؛ فإِنْ قَبِلَه الزوجُ وَجَبَ الوفاءُ به لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ[المائدة: ١]، وقولِه سبحانه: ﴿وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡ‍ُٔولٗا ٣٤[الإسراء]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(٤)، وهو معدودٌ مِنْ شرطِ النكاح لا مِنْ مهره.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٩ ربيع الثاني ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٧ ماي ٢٠٠٦م

 



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب قولِ الرَّجلِ لأخيه: انْظُرْ أيَّ زوجتَيَّ شِئتَ حتَّى أَنْزِلَ لك عنها (٥٠٧٢)، وباب الصفرة للمتزوِّج (٥١٥٣)، ومسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٧)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٢) يُقال للرَّجل: عروسٌ كما يقال للمرأة، وهو اسمٌ لهما عند دخولِ أحَدِهما بالآخَر، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٢٠٦)].

(٣) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢٣٠٣٥)؛ وأمَّا رواية: «للعروس» فأخرجها الطبرانيُّ في «الكبير» (٢/ ٢٠) رقم: (١١٥٣)، كلاهما مِنْ حديثِ بُرَيْدة الأسلميِّ رضي الله عنه. قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٩/ ٢٣٠): «وسندُه لا بأسَ به»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٤١٩). وانظر: «مَجْمَع الزوائد» للهيثمي (٤/ ٤٩).

(٤) أخرجه الترمذيُّ في «الأحكام» بابُ ما ذُكِر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الصلح بين الناس (١٣٥٢) مِنْ حديثِ عمرو بنِ عوفٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه، وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ». قال ابنُ تيمية في «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ١٤٧): «وهذه الأسانيد ـ وإِنْ كان الواحدُ منها ضعيفًا ـ فاجتماعُها مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ بعضُها بعضًا»، وصحَّحه بمجموعِ طُرُقِه الألبانيُّ في «الإرواء» (٥/ ١٤٢) رقم: (١٣٠٣) و«السلسلة الصحيحة» (٢٩١٥).