- التبويب الفقهي للفتاوى:
الفتوى رقم: ١٨٤
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
في حكم الْتحاقِ ابنِ الزِّنى بأبيه الكافر
السؤال:
رجلٌ يبلغ مِنَ العمرِ ٢٥ سنةً، والداهُ أنجباهُ بطريقةٍ غيرِ شرعيةٍ، ليس بينهما عقدٌ شرعيٌّ للزواج، الأمُّ مسلمةٌ والأبُ إسبانيُّ الأصلِ فرنسيُّ الجنسية وليس مسلمًا، يعيش الابنُ مع أمِّه في الجزائر، وأبوه يعيش في فرنسا، والأبُ معترفٌ به، هذا الابنُ مسجَّلٌ في البلدية، يستطيع إخراجَ شهادة الميلاد رقم: (١٢) فقط. هذا الابنُ ـ حاليًّا ـ بدونِ جنسيةٍ ولا حتَّى بطاقة تعريفٍ وهو في وضعيةٍ حرجةٍ.
ولمشكلتِه حلَّان:
١ ـ إذا أراد أَنْ يحملَ الجنسيةَ الجزائريةَ فعليه أَنْ يَنتسِبَ إلى أمِّه.
٢ ـ إذا أراد المحافظةَ على اسْمِه الأصليِّ فعليه أَنْ يحملَ الجنسيةَ الفرنسيةَ، وهذا الحلُّ الثاني فيه كثيرٌ مِنَ الذلِّ، لأنَّ هذا الابنَ مستقيمٌ على الدين وملتزمٌ بشعائره وسيَجِدُ الكثيرَ مِنَ الصعوباتِ الدينيةِ والإداريةِ مع القنصليةِ الفرنسيةِ وغيرِها مِنَ المصالحِ الفرنسيةِ.
السؤالُ هو:
هل الحلُّ الأوَّلُ يُبيحُه الشرعُ الإسلاميُّ؟ وما حكمُ الحلِّ الثاني؟ أفيدونا مِنْ فضلِكم، وجعل اللهُ عملَكم في ميزانِ حسناتِكم. وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعلَمْ أنَّ العلماءَ مُجْمِعون على تحريمِ زواجِ المسلمةِ بغيرِ المسلم(١)، سواءٌ كان مِنْ أهلِ الكتابِ أو وثنيًّا أو مجوسيًّا أو مَنْ لا دِينَ له، فالكفرُ ملَّةٌ واحدةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١﴾ [البقرة]، وإذا اتَّفقوا على تحريم الزواج مِنَ الكافرِ فإنَّ وطء الكافرِ للمسلمة بوجهٍ غيرِ شرعيٍّ عن طريقِ الزِّنا أشدُّ تحريمًا؛ لأنَّ مِثْلَ هذا الفعلِ ـ فضلًا عن أنه فاحشةٌ، ومقتٌ، وساءَ سبيلًا ـ فإنَّ فيه مِنَ الغضاضةِ على الإسلامِ والمسلمين ما لا يخفى.
كما اتَّفق الأئمَّةُ الأربعةُ على عدمِ جوازِ استلحاقِ ولدِ الزِّنا بأبيه مطلقًا سواء مسلمًا كان أو كافرًا، ولو أسلم واعترف به فإنَّ نسبَه لا يَثْبُتُ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ»(٢)، ولم يجعل رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم للزاني العاهرِ حظًّا مِنَ النسبِ والولدِ سوى الخيبة(٣)، وقد نفى الحديثُ أَنْ يُلْحَقَ في الإسلامِ ولدُ الزاني. وعليه فإنَّ ولد الزِّنا وولدَ اللِّعانِ يُنْسَبَان لأمَّيْهما ولا يُلْحَقان بأبويهما، وإِنْ أسلما واستلحقاهما على مذهبِ جمهورِ أهلِ العلم.
وهذا الحكمُ خالفه ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ حيث يرى أنَّ الرجلَ إذا استلحق ولدَه مِنَ الزِّنا ـ بعد إسلامه ـ ولم يكن للمزنيِّ بها زوجٌ لَحِقَ الولدُ بالزاني إِنِ ادَّعاهُ، وهو مذهبُ إسحاقَ بنِ راهوَيْه وسليمانَ بنِ يسارٍ وابنِ سيرين والحسنِ البصريِّ وإبراهيمَ النَّخَعيِّ وغيرِهم، واحتجَّ بأنَّ الحديث السابق يحصر الولدَ في المرأة إِنْ كانَتْ تحت عصمةِ زوجِها أو سَيِّدِها؛ فيكون ـ عندئذ ـ للفراش، فإِنْ لم تتصف بهذا المعنى فليسَتْ فراشًا ولا يتناولها حكمُ الحديث، وهو ـ بلا شكٍّ ـ ظاهرٌ مِنْ سببِ ورودِ الحديث(٤)، ومؤيَّدٌ بفعلِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي اللهُ عنه الذي كان يُليط أولادَ الجاهليةِ بمَنِ ادَّعاهم في الإسلامِ(٥)، فيُلْحِقُهم بهم ويَنْسِبُهم إليهم ولو كانوا لزِنْيةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهم مَنْ أمَّهاتُهم فراشٌ له(٦).
فالحاصل أنَّ حكم الولد اتِّباعُ خيرِ أبوَيْه دِينًا، وهو ـ هاهنا ـ أمُّه المسلمة، فإِنِ استلحقه أبوه ـ بعد إسلامه ـ فإنه يُنْسَبُ إليه على مذهبِ ابنِ تيمية رحمه الله ـ كما تقدَّم ـ وتجري عليه ـ حالتَئذٍ ـ كافَّةُ الآثار المتعلِّقةِ به مِنْ محرميةٍ ووصيَّةٍ وميراثٍ وغيرِها مِنَ الأحكام والحقوق.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٤ رمضان ١٤٢٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ أكتوبر ٢٠٠٣م
(١) انظر: «تفسير القرطبي» (٣/ ٧٢).
(٢) أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ تفسيرِ المشبَّهات (٢٠٥٣)، ومسلمٌ في «الرضاع» (١٤٥٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٣) العرب تقول: له الحَجَرُ وبِفِيهِ الترابُ، يريدون: ليس له إلَّا الخيبةُ، [«نيل الأوطار» للشوكاني (٨/ ٨٨)].
(٤) انظر سببَ ورودِ الحديث فيما تقدَّم مِنْ مصادرِ تخريج الحديث.
(٥) الحديث أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» مِنْ روايةِ سليمان بنِ يسارٍ، وإِنْ كان منقطعًا لكِنْ جاء موصولًا مِنْ طُرُقٍ أخرى عنه، [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٦/ ٢٥)].
(٦) انظر الفتوى رقم: (٤٦٤) الموسومة ﺑ: «في حكم نكاح الزانية واستلحاق ولده منها» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.
- قرئت 15626 مرة
- Français
- English
نسخة للطباعة
أرسل إلى صديق
الزوار |
|
بحث في الموقع
آخر الأقراص
الفتاوى الأكثر قراءة
.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.
.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،
أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.
.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.
جميع الحقوق محفوظة (1424 هـ/2004م - 1444هـ/2023م)