في حكم الطهارة للطواف | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٧٠٦

الصنـف: فتاوى الحج - الطواف والسعي

في حكم الطهارة للطواف

السؤال:

هل يُشترَط إعادةُ الوضوء لِمَنِ انتقض منه أثناء الطَّواف في شدَّة الزحمة وخاف ضياع رفقته؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فلا تُشترَطُ طهارةُ الحدَثِ في الطَّواف ولا تجبُ فيه، ولكِنْ يُستحَبُّ فيه الوضوءُ، وبه قال ابنُ حزمٍ وهو اختيارُ ابنِ تيمية وابنِ القيِّم وغيرِهم مِنْ أهل التحقيق(١)؛ خلافًا لمَنْ يرى أنَّ الطهارة مِنَ الأحداث والأنجاس شرطٌ لصحَّة الطواف، وهو مذهب جمهور العلماء، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ في المشهور مِنْ مذهبه(٢)؛ أمَّا مذهبُ أبي حنيفةَ وروايةٌ عن أحمدَ أنَّ الطهارة مِنْ واجبات الطواف لا مِنْ شروطه(٣).

والاستحباب إنما هو في الطهارة مِنَ الحدث الأصغر؛ وأمَّا الطهارة مِنَ الحدث الأكبر كالحيض والنِّفاس والجنابة، فالظاهرُ الصحيح أنَّ الطواف لا يتمُّ إلَّا بها؛ لحديثِ عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها ـ حينما حاضَتْ ـ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»(٤)، وفي روايةٍ لمسلمٍ: «حَتَّى تَغْتَسِلِي»(٥).

هذا، والذي يَستدِلُّ به المُشترِطون للطهارة للطواف مُطلقًا أنَّ: «أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ [أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم] حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ»(٦)، وقد قال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ»(٧)، فإنه يقتضي وجوبَ كُلِّ ما فَعَلَه إلَّا ما قام الدَّليلُ على عدم وجوبه، واستدلُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ»(٨)، وفي روايةٍ أخرى عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ[البقرة: ١٢٥] فَالطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّ اللهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ المَنْطِقَ؛ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ»»(٩)، وبحديثِ عائشةَ: أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» قَالُوا: «إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ»، قَالَ: «فَلَا إِذًا»(١٠)؛ فمقتضى ذلك أنها لو لم تكن طافت للإفاضة لم يرحل حتَّى تَطْهُرَ مِنَ الحيض وتغتسلَ وتطوفَ.

هذا، ولا يخفى أنه ليس في الأدلَّة المتقدِّمة ما يدلُّ على وجوب الطهارة الصغرى فيه:

·        أمَّا طوافُه صلى الله عليه وسلم متوضِّئًا وقد قال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»؛ فإنَّ الفعل لا يدلُّ على الوجوب بَلْهَ على الشرطيَّة؛ والأخذ عنه ـ كما قال ابنُ القيِّم ـ هو أَنْ يُفعَل كما فَعَل على الوجه الذي فَعَل، فإذا كان قد فَعَل فعلًا على وجه الاستحباب فأَوجَبْناه لم نكن قد أخَذْنا عنه ولا تَأَسَّيْنَا به، مع أنه صلى الله عليه وسلم فَعَل في حَجَّته أشياءَ كثيرةً جدًّا لم يُوجِبها أحدٌ مِنَ الفقهاء(١١).

·        أمَّا حديثُ: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلَاةٌ»؛ فالمرادُ به: شبيهٌ بالصلاة، وقد رُوِي: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ»(١٢)، فهذا التشبيهُ كتشبيه القصد إلى الصلاة وانتظارِ الصلاة بالصلاة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ»(١٣)، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ»(١٤).

وعليه، فالطواف صلاةٌ بالاسْمِ العامِّ وليس بالصلاة الخاصَّة، والوضوءُ إنما يُشترَط للصلاة الخاصَّة التي تحريمُها التكبير وتحليلُها التسليم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»(١٥)، فدلَّ على أنَّ الطَّوافَ ليس كذلك فلا يُشترَط فيه الطهارة.

وقد تكون الصلاةُ بمعنى الدعاء على الحقيقة اللغوية، ومعنى ذلك أنَّ الطواف هو موضعُ الدعاء، ويُستحَبُّ للدعاء الطهارةُ ولا يجب ولا يُشترَط.

·        أمَّا الاستدلال بالآية: ﴿طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ[البقرة: ١٢٥]، فليس إلحاقُ الطائف بالراكع الساجد أَوْلى مِنْ إلحاقه بالعاكف، بل العاكفُ أَشبهُ؛ لأنَّ المسجدَ شرطٌ في الطواف والعكوف، وليس شرطًا في الصلاة.

·        وأمَّا حديث: «غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»، وحديث: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فهو محمولٌ على الحدث الأكبر جمعًا بين الأدلَّة؛ ومع هذا فمِنْ أهل التحقيق مَنْ رأى أنه لا دليلَ فيه على مَنْعِهِ صلى الله عليه وسلم للحائض مِنَ الطواف، وإنما مَنَعها خوفًا مِنْ أَنْ تلوِّث المسجد بدم الحيض.

فالحاصل: أنَّ ما عليه أكثرُ السلف استحبابُ الطهارة، وأنَّ الوضوء للطَّواف ليس مِنْ مناسك الحجِّ، فإنَّه لم يَنقُلْ أَحَدٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أَمَر المسلمين بالطهارة لا في عُمَرِه ولا في حَجَّته مع كثرةِ مَنْ حجَّ معه واعتمر، ويمتنع أَنْ يكون ذلك واجبًا ولا يُبَيِّنه للأمَّة، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يَجُوزُ» كما هو مقرَّرٌ عند أهل الأصول.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٨ ربيع الأول ١٤٢٨ﻫ

الموافق ﻟ: ٢٧ مارس ٢٠٠٧م

 



(١) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٦/ ١٩٩، ٢١٢)، «تهذيب السُّنن» لابن القيِّم (١/ ٩٧).

(٢) انظر: «القوانين الفقهيَّة» لابن جُزَيٍّ (١١٦)، «المجموع» للنَّووي (٨/ ١٥، ١٧).

(٣) انظر: «المبسوط» للسَّرخسي (٤/ ٢٨)، «الإنصاف» للمرداوي (٣/ ١٦).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: تقضي الحائضُ المناسكَ كُلَّها إلَّا الطوافَ بالبيت (١٦٥٠)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الطواف على وضوءٍ (١٦٤١)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٣٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٧) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٩٧)، والبيهقيُّ بلفظِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» في «السنن الكبرى» (٩٥٢٤)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٨) أخرجه الترمذيُّ في «الحجِّ» بابُ ما جاء في الكلام في الطواف (٩٦٠)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ إباحة الكلام في الطواف (٢٩٢٢)، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (٢٧٣٩)، وابنُ حِبَّان في «صحيحه» (٣٨٣٦)، والحاكم في «المستدرك» (١٦٨٧)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٩٣٠٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٥٤)، وانظُرْ في وقفِه أو رفعِه ما كَتَبه ابنُ حجرٍ في «التلخيص الحبير» (١/ ١٩٥).

(٩) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٣٠٥٦). وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٥٧).

(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الزيارة يومَ النحر (١٧٣٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها، وهذا لفظ البخاريِّ في «الحجِّ» باب: إذا حاضَتِ المرأةُ بعد ما أفاضت (١٧٥٧).

(١١) انظر: «تهذيب السُّنن» لابن القيِّم (١/ ٩٧).

(١٢) أخرجه الترمذيُّ في «الحجِّ» بابُ ما جاء في الكلام في الطواف (٩٦٠)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ إباحة الكلام في الطواف (٢٩٢٢)، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (٢٧٣٩)، وابنُ حِبَّان في «صحيحه» (٣٨٣٦)، والحاكم في «المستدرك» (١٦٨٧)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٩٣٠٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٥٤)، وانظُرْ في وقفِه أو رفعِه ما كَتَبه ابنُ حجرٍ في «التلخيص الحبير» (١/ ١٩٥)، وهو لفظُ ابنِ خزيمة والحاكمِ والبيهقيِّ، والأوَّل لفظ النسائيِّ.

(١٣) أخرجه مسلمٌ في «المساجد» (٦٠٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأذان» بابُ فضلِ صلاة الجماعة (٦٤٧)، ومسلمٌ في «المساجد» (٦٤٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٥) أخرجه أبو داود في «الطَّهارة» بابُ فرضِ الوضوء (٦١)، والتِّرمذيُّ في «الطَّهارة» بابُ ما جاء أنَّ مفتاح الصَّلاة الطُّهور (٣)، وابنُ ماجه في «الطَّهارة وسُنَنها» باب: مفتاح الصَّلاة الطُّهور (٢٧٥)، مِنْ حديثِ عليٍّ رضي الله عنه. وحسَّنه النَّوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٣٤٨)، وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (٢/ ٢٤٠)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٨٨٥).