في إخراج الزكاة خطأ لغير أهل الاستحقاق | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٩١٢

الصنـف: فتاوى الزكاة

في إخراج الزكاة خطأ لغير أهل الاستحقاق

السـؤال:

هل تسقط الزكاة عمَّن أخطأ في دفعها، فأعطاها إلى غير المستحقِّين لها؟ وخاصَّة إذا كان إخراجها بناءً على فتوى بعض أئمَّة المساجد؟ فيُرجى التوضيح والتفصيل إن أمكن وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالواجبُ على المسلم التثبُّت من دفع الزكاة، فلو دفع زكاتَه لمن يظنُّه مُستحِقًّا لها فأعطاها خطأً وهو لا يعلم بحقيقة أمره، اكتفاءً بظاهر حاله، أو بتوجيهٍ ممَّن يعرف حالَه، فبان غيرَ مستحِقٍّ لها؛ فإنَّ الزكاة تسقُط عنه، لحديث مَعْنٍ بنِ يزيد رضي الله عنه قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ»، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ»»(١)، وبوَّب له البخاري: «باب إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر»(٢)، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «قَالَ رَجُلٌ: «لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ»، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: «تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ»، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: «أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ»(٣)، والحديث بوَّب له البخاريُّ: «باب إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلم»(٤)، أي: فصدقتُه مقبولةٌ(٥).

هذا، ويلحقُ الحكمُ -أيضًا- بما أفتاه له المفتي مِن صِحَّة إخراج الزكاة لبعض الأصناف فأخرجها بناءً على الفتوى، ثمَّ تبيَّن له خطؤُها فإنه تسقط عنه الزكاة، ولا يُطالَب بإعادةِ إخراجها، اكتفاءً بغلبةِ الظنِّ، وله ما نوى، لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(٦)، وهذا بخلاف العالمِ بعدمِ أهلية السائل، فلا تسقط عنه ولا يخرج مِن عهدة الامتثال إلاَّ بإخراجها لأهلها، لِما أخرجه أبو داود وغيرُه: «أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاَهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا النَّظَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ(٧)، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»(٨).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٦ جمادى الأولى ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١/ ٠٥/ ٢٠٠٨م


(١) أخرجه البخاري في «الزكاة» باب إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر (١٤٢٢) من حديث معن بن يزيد رضي الله عنه.

(٢) «صحيح البخاري بشرح فتح الباري» (٣/ ٢٩١).

(٣) أخرجه البخاري في «الزكاة» باب إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلم (١٤٢١)، ومسلم في «الزكاة» (١٠٢٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) «صحيح البخاري بشرح فتح الباري» (٣/ ٢٩٠).

(٥) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٢٩٠).

(٦) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (١)، ومسلم في «الإمارة» (١٩٠٧)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.

(٧) الجَلَد: القوَّة والصبر. [«النهاية» لابن الأثير (١/ ٢٨٤)].

(٨) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَن يُعطي من الصدقة وحدِّ الغنى (١٦٣٣)، والنسائي في «الزكاة» باب مسألة القوي المكتسب (٢٥٩٨)، من حديث عُبيد الله بن عديِّ بن الخيار أنَّ رجلين أخبراه. قال صاحب «التنقيح»: «حديثٌ صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ، قال الإمام أحمد رضي الله عنه: «ما أجوده مِن حديث هو أحسنها إسنادًا»» [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٠١)]، والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (٣/ ٣٨١).