في الجواب عن إشكالٍ في مسألةِ التَّصدُّق بوزنِ شعرِ المولود ذَهَبًا أو فضَّةً | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

نرجو منكم دَفْعَ التَّعارضِ الَّذي ظهَرَ في كتابِكم: «أحكام المولود» (٧٦)، حيث حمَلْتم حديثَ أبي رافعٍ رضي الله عنه: حين أَرَادَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها أَنْ تَعُقَّ بِكَبْشَيْنِ عن الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وُلِدَ ...  للمزيد

الفتوى رقم: ١٣٤٣

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة ـ العقيقة

في الجواب عن إشكالٍ
في مسألةِ التَّصدُّق بوزنِ شعرِ المولود ذَهَبًا أو فضَّةً

السؤال:

نرجو منكم دَفْعَ التَّعارضِ الَّذي ظهَرَ في كتابِكم: «أحكام المولود» (٧٦)، حيث حمَلْتم حديثَ أبي رافعٍ رضي الله عنه: حين أَرَادَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها أَنْ تَعُقَّ بِكَبْشَيْنِ عن الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وُلِدَ فقال لها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَا تَعُقِّي عَنْهُ، وَلَكِنِ احْلِقِي شَعْرَ رَأْسِهِ، ثُمَّ تَصَدَّقِي بِوَزْنِ رَأْسِهِ مِنَ الْوَرِقِ فِي سَبِيلِ اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ]» رواه أحمد (٢٣٨٧٧) وغيرُه(١)، على أنَّ المراد هنا: إخراجُ قيمةِ الفضَّة بالنُّقود المُتعامَلِ بها حاليًّا، وليس المرادُ عينَ الفضَّة؛ لأنَّ المساكينَ إنَّما ينتفعون بالنُّقود لا بذاتِ الفضَّة.

وفي المقابل حكمتم بأولويَّةِ الاقتصار على ما ثبَتَ في النَّصِّ ـ حين تعرَّضْتم لحُكمِ إلحاقِ الذَّهب بالفضَّة ـ لاحتمال التعبُّد بها دون الذَّهب...

فنرجو مِنْ فضيلتكم ـ بما فتَحَ الله عليكم ـ حلَّ هذا الإشكالِ ـ وهو القولُ بإخراجِ قيمة الفضَّة نقدًا ـ المعارَضُ مِنْ عِدَّةِ وجوهٍ:

١ ـ أنَّ الحديثَ صريحٌ في التَّنصيص على الوَرِق، وهل يُمكِنُ اعتبارُ العلَّةِ المُستنبَطة ـ وهي انتفاعُ المسكين بالنُّقود لا بذات الفضَّة ـ مع كونها قد تعود على النَّصِّ بالإبطال؟

٢ ـ أنَّ الصَّحيحَ تقعيدًا هو القولُ بالتَّعبُّد أصلًا في الأحكام لا التَّعليلُ، وهو ما استفَدْناه مِنْ ترجيحاتكم الأصوليَّةِ مِنْ خلالِ كُتُبِكم النَّافعة، منها كتابُ «زكاة الفطر: مسائلُ وأحكامٌ» (٣٥).

٣ ـ أنَّ إعمالَ الأصلِ السَّالفِ الذِّكر معروفٌ عنكم في بعض الفروع الفقهيَّة، كحكمِ إخراجِ زكاة الفطر نقدًا، فلِمَ عُدِل عنه في هذا الفرع؟

ونستسمحكم على الإطالة ونفَعَنا اللهُ بجوابكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

ففي إطلاقِ صنفَيِ الذَّهب والفضَّةِ مِنْ غير تقييدٍ، يدخل في كُلِّ صنفٍ جميعُ أنواعه مِنْ: مسكوكٍ ذهبيٍّ أو فِضِّيٍّ وهما: الدِّينارُ والدِّرهمُ وغيرُهما مِنَ العُمُلات مِنَ المعدنين كالرِّيال الذهبيِّ والجنيه الفضِّيِّ؛ وما يقابله مِنَ الحُلِيِّ والسبائك أو ما كان في تُربَتِه، سواءٌ كان مِنَ: الجيِّدِ أو الرَّديءِ، الصَّحيحِ أو المُكسَّرِ، الخالصِ أو المغشوشِ أو المخلوط، المنقوشِ أو المُشرَب، الحُلِيِّ أو التِّبرِ، ممَّا ليس بأثمانٍ ونقودٍ مُتعامَلٍ بها لأنها غيرُ مسكوكةٍ.

وتقييدُ صنفَيِ الذَّهب والفِضَّة جاء بالمسكوكات الذَّهبيَّة والفضِّيَّة، ولهذا وردَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «عَقَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَسَنِ بِشَاةٍ، وَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً»»، قَالَ: «فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ»(٢)(٣)، فهذا الحديثُ يدلُّ على جوازِ إخراجِ وَزْنِ الشَّعرِ فضَّةً لأنَّه أحَدُ النَّقدين، سواءٌ كانت الفضَّةُ دراهمَ مِنْ نقدٍ مسكوكٍ أم غير مسكوكٍ؛ فقد كان التَّعاملُ بها في زمانهم دون مجتمعاتِنا الحاليَّةِ؛ فإنَّه لا يُتعامَل بمسكوكٍ مِنَ: الدينار الذهبيِّ ولا بالدرهم الفضِّيِّ ولا بمسبوكٍ، بل يُتعامَل بالأوراق النقديَّة، وحتَّى يسَعَ المولودَ له أَنْ يتصدَّقَ بزِنَةِ شعرِ مولودِه فضَّةً فينبغي عليه أَنْ يُخرِجَ زِنَةَ شعرِه فضَّةً أو مقوَّمةً بالنُّقود الورقيَّةِ المُتعامَلِ بها في مجتمعنا الحاليِّ، وليس المرادُ عينَ الفضَّة غير المسكوكة بخصوصها، بل يجوز إخراجُ المسكوك والمسبوك(٤) والحُلِيِّ والتِّبر: فضَّةً بالنصِّ وذهبًا بالإلحاق وكذا بالقيمة بالعُملة المُتداوَلة؛ لدلالة قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «في سبيل الله» لأنَّ المقصودَ منها في الجهاد إنَّما يتحقَّق بقيمتها أو ببيعها؛ ولأنَّ المساكين إنَّما ينتفعون أَكملَ ما يكون بالقيمة مِنَ النقود الورقيَّة لا بِذاتِ الفضَّة؛ فتنبَّه.

وأمَّا عبارةُ قولي: «والأَوْلَى الاقتصارُ على ما ثَبَتَ في النصِّ وإخراجُ القيمةِ بالفضَّة لاحتمالِ التعبُّدِ بها دون الذهب، الشأنُ في ذلك كشأنِ زكاة الفطر: لا يجوز إخراجُها بغيرِ الأصناف المذكورة» فلأنَّ إخراجَ زِنةِ شعرِ المولودِ مقوَّمةً بالذَّهبِ ـ وإِنْ كان الذَّهبُ ـ في العادةِ ـ أفضلَ قيمةً وأغلى ثمنًا ـ إلَّا أنَّه لم يَثبُت في ذلك حديثٌ صحيحٌ؛ ولم يُرشِدِ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاطمةَ رضي الله عنها إليه، مع أنَّ الذَّهبَ موجودٌ في عهدهم متعاملٌ به بينهم، وإنَّما اختار لها الفضَّةَ؛ ولا يختار لها إلَّا الأحسن: إمَّا لأنَّه أَحسَنُ في نفسِه أو لأنَّه أَيسرُ على أمَّتِه أو لأنَّه لا يجوز غيرُه؛ فكان احتمالُ التعبُّدِ بالفضَّةِ دون الذَّهب أقربَ وأوكدَ؛ لكِنْ مِنْ غير الجزم به ولا تعيينٍ، لقيامِ الاحتمال وانتفاء القطعِ؛ بخلافِ مسألةِ زكاة الفطر فالتَّعبُّدُ بإخراجها صاعًا طعامًا مقطوعٌ به، ولكِنْ لا يمنع ذلك مِنَ الزِّيادةِ على الصَّاعِ زيادةً تطوُّعيَّةً في الفضل وتوسعةً على الفقراءِ، وإنَّما يُمنَعُ إخراجُ ما دون ما تَقرَّر فيه الصَّاعُ، كما يُمنَع ـ أيضًا ـ العدولُ عن الصَّاعِ إلى القيمةِ.

وأمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما الَّذي أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الأوسط»(٥): «وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعَرِهِ فِي رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّة» فقد قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «في سندِه ضعفٌ»(٦)، وقال الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ: «مُنْكَرٌ بهذا التَّمامِ»(٧)، وعلى فرضِ صِحَّتِه فيمكن حملُ حرفِ «أو» في الحديث على التشكيك مِنَ الراوي وليس للتقسيم.

أمَّا وجوه المعارضة المذكورة في السؤال فلا تتعارض بعد فهمِ ما سُقتُه في الجواب مِنْ بيانٍ وتوضيحٍ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٥ ذي القَعدة ١٤٤٤ﻫ
المُوافق ﻟ: ٢٥ مـايـــــو ٢٠٢٣م



(١) أخرجه أحمد (٢٣٨٧٧، ٢٧١٨٣، ٢٧١٩٦)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٩٣٠٠)، والطبرانيُّ في «الكبير» (٢٥٧٧)، مِنْ حديثِ أبي رافعٍ رضي الله عنه مولى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وحسَّنه الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٤/ ٥٧) والألبانيُّ في «إرواء الغليل» (١١٧٥).

(٢) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ العقيقة بشاةٍ (١٥١٩) مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «وإسنادُه ليس بمُتَّصِلٍ؛ وأبو جعفرٍ محمَّد بنُ عليِّ بنِ الحسين لم يُدرِك عليَّ بنَ أبي طالبٍ»؛ وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترمذي» (١/ ١٦٦)، وانظر: «الإرواء» (١١٧٥).

(٣) «الدرهم: قطعةٌ نقديَّةٌ مِنَ الفضَّة وزنُها ٦ دوانقَ = ٤٨ حبَّةً = ٢.٨١٢ غرامًا؛ والدِّرهَمُ التي توزن بها الأشياءُ مقدارُها: ٥١ حبَّةً = ٢.٩٨٨ غرامًا؛ والدرهم البغليُّ مقدارُها: ٦٤ حبَّةً = ٣.٧٥ غرامًا (ر: مقادير)... والدرهم الستوقة: درهمٌ مغشوشةٌ (ر: ستوق)؛ الدرهم القائمة: التي لا نقصَ فيها، ويجري التعاملُ بها بالعدد؛ الدراهم المجموعة: الدراهم الناقصة، ويجري التعاملُ بها بالوزن، حيث تُجمَع مع بعضها وتوزن» [«معجم لغة الفقهاء» للقلعجي والقنيبي وسانو (١٨٥)].

(٤) المسكوكاتُ الذهبيَّةُ أو الفضيَّةُ هي: قِطعٌ معدنيَّةٌ مِنْ ذهبٍ أو فضَّةٍ تحمل خاتمًا مِنَ السُّلطة العامَّة لضمان وزنها ودرجةِ نقائها، وخاتمها يسمى بدَمغَةِ المَسْكُوكات: وهي عبارةٌ عن علامةٍ تَضَعُها الإدارةُ الحكوميَّة المختصَّةُ على المعادنِ النفيسةِ والموازينِ للتَّيقُّنِ مِنْ مطابقتِها للمواصفات القياسيَّة مِنْ: وزنٍ وعيارِ المعادن، يقال: سكَّ النُّقودَ: ضرَبَها، سبَكَها وطبَعها [انظر: «المعجم الوسيط» (١/ ٢٩٧)، «معجم اللغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار عبد الحميد عمر (١/ ٧٧٠، ٢/ ١٠٨٦)].

سبَك المعدنَ: أذابَه وخلَّصه مِنَ الخبَثِ وأفرَغه في قالبٍ يُسمَّى السَّبيكة مِنْ ذهبٍ أو فضَّةٍ، وهي عبارةٌ عن كُتلةٍ مِنَ الذَّهَب أو الفضَّة مصبوبةٍ على صُورَةٍ مَعْلُومَةٍ كالقضبان ونَحْوها؛ [«المعجم الوسيط» (١/ ٤١٥)].

(٥) برقم: (٥٥٨).

(٦) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٥٨٩).

(٧) «السلسلة الضعيفة» للألباني (١١/ ٧١٧).